خاص | بين 2006 و2024.. عدو عاجز عن الحسم ومفاجآت المقاومة
يحل يوم 14 آب/اغسطس ذكرى انتهاء ما يعرف بعدوان تموز-آب 2006، حيث سجل في مثل هذا اليوم الانتصار الكبير على العدو الاسرائيلي بعد 33 يوما من الحرب التي شنها العدو بدعم اميركي غربي وبتواطؤ العديد من الانظمة العربية الاقليمية، ففي مثل هذا اليوم سجل المقاومون في لبنان نصرا جديدا على الصهاينة بعد النصر الذي سجلوه في العام 2000 باندحار العدو عن غالبية الأراضي اللبنانية المحتلة.
ولا شك ان انتصار العام 2006 كان له الكثير من التداعيات على لبنان والمقاومة من جهة وعلى العدو الاسرائيلي من جهة اخرى، وكان له آثاره على مختلف ساحات المنطقة، وفي هذا الإطار يمكن ذكر بعض النقاط منها:
– كان لانتصار تموز الفضل بزيادة الردع للعدو بمواجهة المقاومة في لبنان، ما شكل مظلة حماية للبلد طوال ما يقارب الـ18 عاما حيث كان ولا يزال العدو يحسب بدقة أي محاولة للاعتداء على لبنان، وحتى اليوم في ظل الجبهة اللبنانية المساندة لغزة يبقى العدو يحسب خطواته بدقة ضمن معادلات لا يستطيع بسهولة تجاوزها او التهاون فيها خوفا من ردود المقاومة.
فالمقاومة منذ اليوم الاول لانتهاء حرب تموز، انطلقت بقيادتها العسكرية وبعمل دؤوب من قادة كبار كالشهيد الحاج عماد مغنية والشهيد السيد مصطفى بدر الدين والشهيد السيد فؤاد شكر والشهيد الحاج حسان اللقيس وغيرهم من الشهداء والقادة والمجاهدين الاحياء، الى رفع مستوى قدراتها التسليحية والفنية في مختلف المجالات وارتقى عملها بما جعلها قادرة على مواجهة كيان العدو الصهيوني الذي تسخّر له قدرات كبيرة جدا من دول كبرى في هذا العالم والاقليم.
ولعل ما نراه خلال مواجهات الجبهة المساندة لغزة من قدرات المقاومة يظهر بعضا مما لديها برا وجوا وبحرا، وبالتالي يجب على العدو ان يدرك ان ما ينتظره عظيم جدا فيما لو قرر الذهاب بعيدا بالعدوان على لبنان، خاصة ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله سبق ان اعلن ان ذلك سيجعل القتال بلا سقوف وبلا ضوابط، وبعد ذلك على العدو ان يحلل ويستنتج ماذا سيحصل لو واصل خطواته التصعيدية باتجاه لبنان.
– كشف انتصار تموز مدى العجز الاسرائيلي وضعف جيشه على الرغم من كل ما يقال لرفع معنوياته ولإظهار انه الاقوى في المنطقة، لكن حرب تموز-آب 2006 أظهرت الكثير من الثغرات في هذا الجيش وثبتت مقولة “أوهن من بيت العنكبوت” التي أطلقها السيد نصر الله بُعيد التحرير في العام 2000، ولعل الجيش الإسرائيلي منذ حرب 2006 لم يستطيع من ترميم صورة جيشه المهزوم على تخوم القرى الجنوبية من عيتا الشعب الى عيناثا والخيام وبنت جبيل… وباتت القوة البرية في جيش العدو تعاني جراء تهشيم صورتها امام العالم ناهيك عما تعرضت له دبابة الميركافا من إنهاء اعتبارها كأسطورة وفخر للصناعة العسكرية الاسرائيلية.
وقد أكد على الهزيمة الاسرائيلية في 2006 ما صدر عن لجنة التحقيق الخاصة التي شكلت في الكيان الغاصب او ما يعرف بلجنة “فينوغراد” التي خلصت الى نتائج أبرزها ان “الجيش الاسرائيلي أخفق إخفاقا كبيرا في الحرب على لبنان ولم يتمكن من وقف إطلاق صواريخ حزب الله على إسرائيل”، ولفتت الى “عدم استعداد الوحدات النظامية وقوات الاحتياط، والارتباك داخل صفوفها، وتضارب الأوامر الصادرة عن القيادة، وعدم تحقيق الجيش أهدافه..”.
واليوم نرى ان ما حصل قبل 18 عاما يتكرر في قطاع غزة، حيث القوة البرية الاسرائيلية عاجزة عن حسم أي شيء والميركافا ما تزال غارقة في “الحفرة العميقة” التي سقطت بها في تموز-آب 2006 في جنوب لبنان، وبالتالي جيش العدو يعتمد كما سبق في تلك الحرب على سلاح الطيران الذي لا يقدر على الحسم بغياب القوة البرية وكل ما يستطيع فعله كما نشاهد اليوم في غزة هو قتل الأطفال والنساء في خيام النازحين.
– شكل انتصار تموز-آب فرصة لإراحة المناطق اللبنانية الجنوبية وبالتحديد الحدودية ما أدى الى ازدهارها وإعمارها بعد غياب الناس عنها وإهمالها لسنوات طويلة لا سيما منذ بدء الاحتلال لجنوب لبنان.
– يعتبر انتصار 2006 مفصلا تاريخيا للبنان كي يطالب باستعادة كافة حقوقه المهدورة منذ سنوات طويلة في البر او البحر، وانطلاقا من ذلك بدأت المطالبة بترسيم الحدد البحرية حتى استطاع لبنان في استعادة غالبية حقوق النفطية وبدأ مسارا طويلا للوصول الى استخراج المواد البترولية من مياهه الاقليمية.
– يعد انتصار تموز-آب نموذجا لكل حركات المقاومة في المنطقة لزيادة قدراتها بالتطوير والتسليح بمواجهة العدو الاسرائيلي ومن خلفه الداعم الاميركي، وزيادة الضغط والمواجهة للاحتلال الاميركي في العراق وأفغانستان، فالمقاومة الاسلامية في لبنان استطاعت بناء قوة صلبة لصد الاعتداءات على الوطن وذلك بالاتكال على الله وبالايمان به، ثم بالاعتماد على الذات والدعم من الدول الصديقة والشقيقة وبالتحديد ايران وسوريا.
– شكل انتصار 2006 بما راكمته المقاومة من مصداقية وثقة لدى الشعوب جراء التضحيات والانتصارات وعدم السعي للسيطرة والحصول على المناصب وتحصيل المكاسب السياسية والمادية والمالية، الى بروز الاحترام والتأييد والدعم الشعبي والاسلامي العارم لحزب الله والمقاومة في لبنان وفلسطين وللدول التي تدعمها، كما شكل فرصة كي تؤمن الشعوب بقدراتها بعيدا عن الانظمة الساعية للرضى الاميركي والغربي.
– شكل انتصار تموز-آب بما قدمته المقاومة من نموذج شفاف ومضحي ونزيه، الى ايمان الشعوب بقدرتها على بناء الاوطان بعيدا عن فساد بعض العصابات الحاكمة والجماعات المنتفعة في الانظمة التي تسرق خيرات البلاد بالتضامن مع الجهات الاجنبية الداعمة لها.
– اعتبر انتصار 2006 فضيحة لكل الانظمة العربية التي تخاذلت وتواطأت على المقاومة، حيث اعتقدوا ان العدو قادر على إنهائها، فانتصار المقاومة وتأييدها المطلق لشقيقتها المقاومة الفلسطينية والتزامها قضيتها كشف الغطاء عن الانظمة التي تخلت عن فلسطين وتعاونت سرا او جهرا مع الاميركي والاسرائيلي.
– كما اعتبر انتصار تموز-آب فضيحة لكل المتآمرين في الداخل ممن سعوا لانهاء وجود المقاومة وراهنوا على المخططات الاميركية في السيطرة على المنطقة.
– كان انتصار 2006 الضربة القاسمة في إنهاء ما يسمى أميركياً بمشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي عملت عليه وزيرة الخارجية السابقة غونداليزا رايس.
وقد ظهر ان انتصار تموز كان محطة أساسية لفشل كل المشاريع الاميركية الغربية للمنطقة ما تطلب من محور الشر الاميركي الصهيوني الى تغيير تكتيكاته، ما دفعه للانتقال الى الخطط البديلة الاخرى، سواء ما يسمى “الربيع العربي” لتخريب الاوطان والسيطرة عليها بأسكال اخرى، ولاحقا الهجمات التكفيرية الارهابية عبر خلق ودعم جماعات مسلحة كداعش واخواتها، ومن ثم الانتقال الى الحرب الاقتصادية والعقوبات والحصار في محاولات لمحاصرة محور المقاومة كدول وأحزاب وفصائل، ومن ثم الانتقال الى مزيد من التطبيع مع العدو الاسرائيلي من قبل العديد من الانظمة العربية ولا سيما الخليجية.
كل ما سبق هو بعض مما حققته المقاومة عبر الانتصار الإلهي والتاريخي في تموز-آب 2006، وما ينتظر العدو أعظم لو فكر بشن حرب واسعة على لبنان، فرجال الله ما زالوا هنا ثابتون متجذرون في هذه الارض وبانتظار الأعداء لإنزال أقصى الهزائم بهم وللتأكيد ان زمن الانتصارات مستمر.. وإن غدا لناظره قريب.